موجة الحر الحالية على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: تحديات وتداعيات قاسية
“أن درجات الحرارة القصوى هذه تقتل الناس الآن!… وإن صيف ٢٠٢٣ يثبت أنه أحد أكثر صيف سخونة، إن لم يكن الأكثر سخونة وخطورة”-كاسكيد توهولسكي, استاذ مساعد في جامعةولاية مونتانا
سوزان خصاونة
يتعرض الشرق الأوسط وأفريقيا حاليًا لتأثيرات موجة حر شديدة. و هي تعد واحدة من الظواهر الجوية المتطرفة المتزايدة التي تشهدها العالم. إذ تم تسجيل درجات حرارة تفوق الأربعين درجة في عدة مناطق مثل الأردن وفلسطين. وتجاوزت الخمسين درجة في مناطق أخرى مثل العراق ومصر. بينما وصلت إلى ستين درجة في دولة الكويت والجزائر في ارتفاعٍ غير مسبوق لدرجات الحرارة.
إذ قال عيسى رمضان، خبير الارصاد الجوية في الكويت: ” إن ارتفاع درجات الحرارة خلال العام الماضي كان كبيرا… ومن المنتظر أن يكون هناك ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة من منتصف الشهر الحالي وحتى ٢٠ أغسطس. اذ قد تصل بل وتتجاوز ٥٠ درجة مئوية (١٢٢ فهرنهايت) في الظل”. الأمر الذي يتطلب استعدادات وإجراءات احترازية. من قبل دول المنطقة لمواجهة هذه الحالة المتطرفة وتداعياتها الخطيرة.
الانبعاثات
إن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تغطي الأرض وتحبس حرارة الشمس. أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة. وفقا لما قاله ريتشارد آلان، أستاذ علوم المناخ في جامعة ريدينغ: “إن أنماط الطقس أشد مما كانت عليه في العادة. بسبب غازات الاحتباس الحراري التي نضخها في الغلاف الجوي والذي يسببه النشاط البشري”. ونتيجة لذلك نشهد اليوم موجات حر شملت العديد من مناطق العالم بما فيها الشرق الأوسط وأفريقيا
ويضيف آلان: “هذه الحرارة الزائدة هي نوع من الشحن الفائق لهذه الظواهر الجوية المتطرفة… نحن بحاجة إلى معالجة السبب. وهو الزيادة في الغازات الدفيئة التي تعمل على تسخين كوكبنا وتجعل موجات الحرارة أكثر سخونة ولكنها أيضاً تجعل الأمطار الغزيرة والفيضانات أكثر حدة.”
موجات حر تهدد صحة السكان
تتصدر السيناريوهات الخطيرة حول الوضع المناخي منطقة الشرق الأوسط. بإعتبارها مركزا للتغيرات المناخية هذه الفترة.كذلك، كما تطرق تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن “أكثر من نصف مليار شخص في منطقة البحر الأبيض المتوسط يواجه مخاطر مناخية مركبة ومرتبطة ببعضها البعض”. فتداعيات موجة الحر الحالية على صحة الإنسان وخيمة؛ إذ يعد ارتفاع الحرارة المرتبط بموجات الحر واحدة من أهم العوامل المؤثرة على درجة حرارة الجسم الطبيعية والبالغة ٣٧ درجة مئوية.
خلال الأيام الماضية. وصلت هذه الموجات إلى مستويات قصوى. وحتى وقتنا هذا يتعرض سكان دول الشرق الأوسط وأفريقيا إلى خطر الإجهاد الحراري. ضربة الشمس، الجفاف ومشاكل الجهاز التنفسي التي تحتاج تدخل طبي طارئ. لكن أكثر الحالات شيوعا. هي حالات الإجهاد الحراري التي تحدث عندما تزداد حرارة الجسم ويشعر المصاب بالضعف والدوار والصداع وأحيانا سرعة في ضربات القلب خاصة من يعانون من امراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم والأمراض المزمنة.
بالرغم من انتشاره، إلا أنه عادة لا يشكل خطورة. حيث أنه وبحسب الخبراء يمكن تخفيض درجة حرارة الجسم خلال 30 دقيقة من خلال اتباع خطوات سهلة وبسيطة؛ فوفقا للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. من الضروري البقاء في المنزل أو في مكان بارد بعيدا عن أشعة الشمس. المحافظة على رطوبة الجسم وشرب المياه لتجنب الجفاف، ومتابعة الأحوال الجوية اليومية المحدثة.
ومن ضمن التوقعات الأخطر التي ستؤثر على سكان المنطقة هو ارتفاع الوفيات المرتبطة بالحرارة فقط، إذ أكد كاسكيد توهولسكي، الأستاذ المساعد في جامعة ولاية مونتانا: “أن درجات الحرارة القصوى هذه تقتل الناس الآن!… وإن صيف 2023 يثبت أنه أحد أكثر صيف سخونة، إن لم يكن الأكثر سخونة وخطورة”.
كما اشارات دراسة لمجلة مجلة “ذا لانسيت” إلى أن وفيات الطقس الحار في المنطقة سوف ترتفع من 2 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة (في الوقت الحالي) إلى حوالي 123 لكل 100 ألف نسمة خلال آخر عقدين من القرن الحالي.
تحديات متزايدة
كما لفت تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (مارس 2023) أنظار العالم حول تأكيد ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة؛ نتيجة لأكثر من قرن من حرق الوقود الأحفوري، مثل النفط والغاز. كما يعزى زيادة مستويات الظواهر الجوية المتطرفة إلى التطرف في استهلاك الطاقة والأراضي بشكل غير متكافئ؛ فنرى اليوم أسوأ موجة جفاف تضرب دول القرن الإفريقي منذ 2011 والتي أودت بحياة الآلاف من السكان، ومعاناة أكثر من 23 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال وأوغندا من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بحسب تقرير الأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، واحدة من المخاطر المحيطة بسكان منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا هي تدني إجمالي الناتج الداخلي نتيجة شح المياه بدرجة عالية تؤثر على 61% من سكان المنطقة، وفقا لما جاء في تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (فبراير 2022).
إضافة إلى أن تعرض الأرض المطول لدرجات الحرارة المرتفعة ستؤدي إلى زيادة معدلات التبخر بطبيعة الحال، مما يؤدي إلى نقص مياه الري وبالتالي تفاقماً للتحديات التي يواجهها المزارعون من أضرار تضرب المحاصيل والماشية؛ فمستوى الإنتاج الزراعي في هذه الحالة ينخفض وتتعطل الإمدادات الغذائية المحلية في الدول . وبالتالي زيادة أسعار المواد والسلع الغذائية وهذا لا يهدد الأمن الغذائي فحسب، بل يعمق أزمة الفقر والاعتماد على الواردات الغذائية في مجتمعات تعاني بالفعل من ضعف اقتصادي يهدد أمنها الغذائي.
وسط هذه التحديات المتزايدة. قال عبد الحكيم الواعر، مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والممثل الإقليمي للمنظمة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. خلال منتدى حلول الزراعة الرقمية 2023. قال إن: “علينا تحديد حلول الزراعة الرقمية الوطنية وتطويرها والعمل على استدامتها لإفادة المجتمع الزراعي وضمان عالم آمن غذائياً يفيد العمود الفقري لمنتجي الأغذية لدينا وهم أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعين الأسريين في جميع أنحاء منطقتنا”.
الموارد المائية
ولا يسعنا أن نحصر تأثر موارد المياه في موجات الحر وارتفاع معدلات التبخر. المتزايدة الحالية في منطقة تعاني من سوء إدارة الموارد المائية وإجهاد مستمر في إمدادات المياه للمستهلك البشري والقطاع الزراعي.
عدا عن أن ازدياد حرائق الغابات . في دول تعاني شح في الموارد المائية تعد عبء اقتصادي قد يساهم في تدني مستوى معيشتها. فالأردن على سبيل المثال. لا الحصر تكبدت عليها أعباء اقتصادية بغنى عنها، فما شهدناه في الأيام القليلة الماضية من حرائق للغابات في مدينتي عجلون وجرش الاردنيتان امتدت لأكثر من ألف دونم خلال هذه الموجة، كلفت الأردن الاستعانة بطائرات حملت حوالي 178 طنا من المياه للسيطرة عليها.
قنبلة موقوتة
وعلى المدى البعيد. تنذر موجة الحر الحالية بتبعات خطيرة على مستقبل المنطقة. فقد تؤدي إلى استنزاف موارد المياه الجوفية وتفاقم ندرة المياه بوتيرة متسارعة، وهذا بدوره ما يلبث حتى يرفع وتيرة النزاعات المائية بين الدول في المنطقة، خاصة في المناطق الحدودية. إذ مازالت أزمة سد النهضة الأثيوبي تتصدر مخاوف كل من مصر والسودان من انخفاض تدفق مياه نهر النيل. كذلك تفاقم مشكلة نقص المياه بسبب مواسم الجفاف وتداعيات تغير المناخ في المنطقة. كما قال خليل العناني، زميل أول في المركز العربي بواشنطن العاصمة في اكتوبر الماضي: “إن التحدي (بالنسبة لدول المصب) سيكون خلال مواسم الجفاف التي من المتوقع أن تصل في غضون عامين.. وإن القاهرة والخرطوم تعتمدان بشكل كبير على النيل في معظم مياههما العذبة . وبدون اتفاق ملزم مع إثيوبيا بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير. قد تنشأ صراعات”
أما فيما يخص التداعيات الاقتصادية والاجتماعية. فنقص هطول الأمطار وحالات الجفاف وموجات الحر الشديدة تصبح اقتصاديات الدول أكثر عرضة للتراجع والتدهور. والدول التي تعاني من الركود الاقتصادي في الأسواق ستتأثر بانخفاض الإنتاج وتراجع إنتاجية القوى العاملة؛ ففي عام 2019 نشرت منظمة العمل الدولية تقريرا يشير إلى توقع خسائر عالمية في الإنتاجية تعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل في عام 2030 بسبب زيادة الإجهاد الحراري في العالم. والقطاع الأشد تضررا على مستوى العالم هو الزراعة ويتوقع أن تبلغ خسائره 60 بالمئة من إجمالي ساعات العمل.
استراتيجيات تكيف فعالة
يعد فهم التحديات المرتبطة بظواهر الحرارة الشديدة والتعامل معها أمرًا بالغ الأهمية. حيث تعاني اليوم منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من موجة حر شديدة هي الأطول من سابقاتها. الأمر الذي يترك دول المنطقة في تحدي حقيقي لمواجهة تداعيات بالغة الأهمية في سبيل تطوير استراتيجيات تكيف فعالة تخفف حدة هذه التداعيات. كالعمل على تعزيز البنية التحتية والخدمات الصحية العامة. لتحسين الاستجابة الطارئة، وتحسين إدارة المياه وتعزيز الزراعة المستدامة. وكذلك تنفيذ قوانين صارمة للحد من انبعاثات الكربون حمايةً للصحة العامة والبيئة.