سوزان خصاونة
إن ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة لارتفاع درجات الحرارة تغير المناخ، وبالتالي ذوبان الجليد في القطبين والمناطق الجليدية الأخرى، أصبح يشكل تهديدا متزايدا للمناطق الساحلية، حيث يزداد خطر الغرق والفيضانات. ومن أبرز آثار التغير المناخي تزايد قوة الأعاصير مما يتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية ويؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي والتوازن البيئي. حجم تأثيرات التغير المناخي لا زال يعصف بالأرض.
في هذا السياق يقول الدكتور محمد الفرجات أستاذ الجيولوجيا والمياه والبيئة في جامعة الحسين بن طلال لعين المناخ. إن العلاقة بين الزلازل وتغير المناخ معقدة ولا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث والدراسات لفهمها. وأشار إلى أن ذوبان الجليد في القطبين والمناطق الجليدية الأخرى نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى تغير في توزيع الأوزان على سطح الأرض. هذا التغيير في التوزيع يمكن أن يؤدي إلى التأثير على الصفائح التكتونية وقد يكون له تأثير غير مباشر على النشاط الزلزالي.
كما أن بناء السدود الكبيرة يضغط على القشرة الأرضية، كما أن ارتفاع درجات حرارة سطح المحيط يمكن أن يزيد من تكرار الزلازل البحرية ويتسبب في تكوين المزيد من حواجز الصفائح التكتونية. وأكد على عدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق واضح بين الخبراء حول تأثير تغير المناخ على حدوث الزلازل.
زلزال جبال الأطلس
تحظى جبال الأطلس بإقليم الحوز بالمغرب بمكانة خاصة نظرا لمناظرها الطبيعية الآسرة، لكنها تخفي تهديدا جيولوجيا لسكان المنطقة، نظرا لتحرك الصفائح التكتونية باستمرار تحت سطح الأرض.
مساء الجمعة – 9 سبتمبر 2023 – تعرضت المنطقة لزلزال شديد بقوة 6.8 درجة، أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف وانهيار المباني. كما شعر بها مناطق واسعة بالشمال وشمال شرق المغرب، ومناطق في الجزائر وإسبانيا والبرتغال.
وهنا قد تبدو العلاقة بين التغير المناخي والزلزال الذي حدث سطحية، لكنها أعمق مما يتصور البعض. إذ يرى العديد من الخبراء أن هذه العلاقة مترابطة وليست بعيدة المنال. فقد علّق فالك أميلونج، الخبير وأستاذ علوم الأرض البحرية في جامعة ميامي، عن هذه العلاقة قائلاً: “هناك آليتان بارزتان: الأول هو التغيرات في الأحمال السطحية بسبب ذوبان القمم الجليدية، أو امتلاء الخزانات، أو أنماط الطقس القاسية، والآخر تسرب المياه السطحية إلى الصخور النفاذية”.
وبحسب ما ذكره الخبراء، يمكننا القول إن التغيرات المناخية يمكن أن تلعب دورا في تأثير الزلازل وتوزيعها، خاصة في الأعماق الضحلة. فيمكن أن تؤدي الأمطار الغزيرة وارتفاع درجات الحرارة إلى تغيرات في مجالات الضغط القريبة من سطح الأرض. هذه التغيرات المناخية يمكن أن تؤثر على حدوث الزلازل وتوزيعها.
كارثة درنة
كارثة أخرى واجهتها ليبيا في العاشر من شهر سبتمبر في مدينة درنة الجبلية، التي تقع على ساحل البحر المتوسط شمال شرق ليبيا. إذ حصدت فيضانات المدينة إثر اعصار “دانيال” أكثر من 11 ألف شخص ولعب تغير المناخ، الذي اتسم بارتفاع معدلات هطول الأمطار وذوبان الأنهار الجليدية، دورا هاما في هذه الكارثة. إذ أفاد خبراء بيئيون بأنّ “التغير المناخي زاد احتمالية حدوث ما حصل بما يصل إلى 50 مرّة”.
وفي خضم هذا الحدث الخطير، تظهر التحقيقات التي أجرتها صحيفة فايننشال تايمز أن تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة المحيطات لعبا دورا حاسما في تفاقم هذه الكارثة. وتشير التقارير أيضاً إلى أن هذه الكارثة ناجمة عن العاصفة دانيال ولكنها ارتبطت أيضاً بظاهرة إعصار “مديكان”، وهو نوع من أعاصير البحر الأبيض المتوسط يتشكل فوق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأيوني وسواحل شمال إفريقيا. إن الإعصار “ميديكان” نادر نسبيا، ويحدث مرة إلى 3 مرات في السنة، لكنه يمكن أن يسبب فيضانات مدمرة وعواصف قوية مع ارتفاع درجات الحرارة في مناطق شرق المحيط الأطلسي وشرق البحر الأبيض المتوسط بمقدار 2-3 درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي. وهذا يؤدي إلى عواصف مصحوبة بأمطار غزيرة.
ويشير الاستاذ الدكتور أحمد الملاعبة، خبير الجيولوجيا والبيئة والتغير المناخي في الجامعة الهاشمية، إلى الدور الحاسم لارتفاع درجة حرارة المحيطات والبحار في حدوث هذه الكارثة. وأكدت المخاوف من الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، كما يوضح د.الملاعبة أن الأعاصير تتشكل عندما ترتفع درجات حرارة المحيطات وتتشكل بؤرة تسمى “عين الإعصار”. وتتميز هذه العين بحجمها الهائل الذي قد يصل إلى أكثر من 500 متر في المتوسط وقد يتجاوز الكيلومترات في بعض الأحيان.
كما أضاف أن: “هذه ليس عاصفة هذا إعصار، فقد وصل إلى أكثر من 70 كم في الساعة.. أدى إلى طوفان وهو مياه منقولة مع الرياح أدت إلى اغراق المدن بالكامل، اقتلعت الأشجار، فاضت الشوارع بالطوفان، اختلط الطين مع الماء ونتج الطين الزاحف، وجرف المنازل”.
أثار العاصفة
ما حدث في ساحل الشمال الليبي كان نادرا بشكل استثنائي، فعندما ضربت العاصفة تسببت في سقوط ما يقدر بنحو 400 ملم من الأمطار على درنة خلال 24 ساعة فقط. كما أن هناك تقارير أشارت إلى أن ارتفاع المياه وصل إلى 4 أمتار في حين أن متوسط هطول الأمطار في المدينة لشهر سبتمبر 1.5 ملم فقط.
ورغم وجود بعض أوجه التشابه الجغرافي والظروف الطبيعية بين الحادثتين المأساويتين في ليبيا والمغرب، إلا أن هناك اختلافات كبيرة تفصل بينهما، يعود معظمها إلى مستوى الاستقرار السياسي والاقتصادي. مما يؤثر على فعالية تدابير مكافحة الكوارث وسرعة الاستجابة. ومن المتوقع أن ترتفع الحصيلة البشرية، بما في ذلك القتلى والمفقودين، إلى أكثر من 14 ألف شخص في البلدين.
ما كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه ظاهرة جيولوجية أو مناخية بحتة، مثل الزلازل والفيضانات، أصبح الآن نتيجة متوقعة لتغير المناخ. اليوم، هناك حاجة ملحة إلى إدراك أن تغير المناخ يمثل تحديا يمتد إلى جميع جوانب الحياة البيئية والاقتصادية. وبالتالي فإن تنفيذ التدابير اللازمة لزيادة قدرة المجتمعات على الصمود والتكيف مع هذا التحدي يجب أن يكون في مقدمة أولويات المجتمع الدولي ككل.