ارتفاع مستوى سطح البحر في المناطق الساحلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
سوزان خصاونة
في ظل التغيرات المناخية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبرز علاقة تأثيرية بين تفاقم الأوضاع المناخية وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يعتبر تهديداً يهدد عدداً متزايداً من السواحل في المنطقة. وقد يلقي بظلاله على مستقبل مناطق ساحلية قد تفقد البنية التحتية والأراضي وتهدد سبل العيش فيها
يرى الدكتور سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة، ومندوب افريقيا بالهيئة الدولية لتغير المناخ، في حديث خاص مع موقع عين المناخ أن هناك ارتفاعات ملحوظة في مستوى سطح البحر، ولكنها ارتفاعات طفيفة وفقًا للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي؛ فمستويات البحر ارتفعت بمعدل 1.4 ملم سنويًا خلال معظم القرن العشرين، إلى 3.6 ملم سنويًا في الفترة من 2006 إلى 2015. وتتوقع أيضا أن يرتفع مستوى سطح البحر بمقدار قدم (30 سم) بحلول عام 2030 فوق المستويات التي شهدناها في عام 2000.
أما الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ IPCC، فتتوقع من خلال سيناريوهاتها أن ترتفع المستويات بين 40 و 63 سم بحلول عام 2100. وهذا سيسبب فوضى في جميع أنحاء العالم وسيؤثر على حوالي 250 مليون شخص، منهم ما لا يقل عن 50 مليون شخص في المنطقة العربية وشمال إفريقيا، لأنها تحتوي على العديد من المدن الساحلية.
أسباب ارتفاع مستوى سطح البحر
إن ارتفاع مستوى سطح البحر ينتج بطبيعة الحال عن تراكم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي وصلت حسب وكالة ناسا إلى حوالي 424 جزء في المليون. وقد أدى هذا إلى ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية. ووصولنا إلى 450 جزء في المليون “يعني اننا سنكون عند ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وهذا هو الهدف الذي انشئت عليه اتفاق باريس للمناخ للحيلولة دون وقوع ذلك… طبعا هذا يؤدي إلى ذوبان كتل كبيرة من الجليد ووفقا لناسا فإن القارة القطبية الجنوبية تفقد حوالي 150 مليار طن من كتلة الجليد بشكل سنوي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر.” بحسب ما أوضح الدكتور سمير طنطاوي.
ووفقًا لوثيقة صدرت عن صندوق النقد الدولي، أثرت الكوارث المناخية بشكل كبير على السبل المعيشية لحوالي 7 مليون شخص في المنطقة العربية حتى الآن وتسببت في أضرار مادية تقدر قيمتها بنحو 2 مليار دولار.
وأشار الدكتور طنطاوي أن: “الأحداث المناخية الجامحة التي شهدتها المنطقة، مثل موجات الحر والبرد الشديد وتذبذب معدلات هطول الأمطار المسببة في بعض الأحيان فيضانات مفاجئة، كانت نتيجة للتغيرات المناخية التي أصبحت ظاهرة تهدد العالم بأسره، وليس فقط دول المنطقة. ورغم أن المنطقة لا تساهم بنسبة كبيرة في الانبعاثات العالمية (بحدود 5-7% من إجمالي الانبعاثات)، إلا أنها تعاني من تأثيرات سلبية كبيرة نتيجة التغيرات المناخية.”
“خطر الغرق”
أكد الدكتور طنطاوي أن هناك بالفعل مدن في المنطقة مهددة بالغرق مثل الإسكندرية والدار البيضاء والمنامة، وهناك مناطق منخفضة في مختلف أنحاء العالم أيضا.. وبشكل طبيعي، يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى غرق هذه المناطق المنخفضة، وفقدان الموانئ الساحلية التي توفر حماية طبيعية للشواطئ وزيادة تسرب المياه المالحة ووصولها إلى مخزونات المياه الجوفية، مما يتسبب في تلوثها وتجعلها غير صالحة للاستخدام، سواء للزراعة أو الشرب.
مدينة الإسكندرية واحدة من العديد من المدن الساحلية المنخفضة، وتتمتع بكثافة سكانية عالية للغاية، وتقع على دلتا النيل وتعاني من خطر الغرق أو جزء كبير منها معرض للغرق بناءً على ارتفاع مستوى سطح البحر. إذ يقول الدكتور طنطاوي لعين المناخ إن: “مدن مثل الإسكندرية ورشيد وبورسعيد تواجه سيناريوهات كثيرة، فإذا ارتفع مستوى سطح البحر بنصف متر فيها يمكن أن يؤدي إلى تشريد أكثر من 2 مليون شخص من منازلهم، مما يؤدي إلى هجرة داخلية وفقدان حوالي 200 ألف وظيفة تقريبًا وخسارة قيمة الممتلكات بنحو 35 مليار دولار بحلول عام 2050. وإذا ارتفع مستوى سطح البحر إلى متر واحد، ستزيد الخسائر بشكل أكبر، وستصل خسائرها المادية إلى حوالي 50 مليار دولار، إلى جانب هجرة حوالي 6 مليون شخص من سكان الساحل إلى المناطق الداخلية والمكتظة بالسكان بالفعل.”
التداعيات البيئية والاقتصادية
يتسبب ارتفاع مستويات سطح البحر في فقدان الموانئ الساحلية التي توفر حماية طبيعية للشواطئ، وزيادة تغلل المياه المالحة ووصولها إلى مخزونات المياه الجوفية. هذا التأثير يتسبب في تلوث المياه الجوفية ويجعلها غير صالحة للاستخدام، سواء للزراعة أو الاستخدام كمياه شرب. تلك التأثيرات تضر بالبيئة وتؤدي إلى تدهور الأراضي والزراعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تمليح التربة وتحويل الأراضي الخصبة إلى أراضٍ غير صالحة للزراعة. ويتسبب أيضًا في انتشار التصحر وفقدان مناطق ذات جاذبية سياحية أو زراعية. بالإضافة إلى تأثيراته على البنية التحتية من شبكات صرف وجسور. ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى الهجرة الداخلية والنزوح الجماعي، مما يسفر عن فقدان وظائف وممتلكات للسكان المحليين. بحسب الدكتور طنطاوي.
تقنيات للتكيف
“لا يوجد حلاً سحريًا لمعالجة ارتفاع مستويات سطح البحر، إنها مشكلة عالمية ناتجة عن زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.” – الدكتور سمير طنطاوي
هذه الانبعاثات تنتج بشكل رئيسي عن الاستهلاك المفرط للوقود الحفري للحصول على مصادر طاقة رخيصة مثل الفحم والبترول والغاز. وأوضح الدكتور طنطاوي أنه من الضروري خفض هذا الاستهلاك بشكل كبير وبسرعة وإلى أن يتم التحول إلى مصادر طاقة أخرى أكثر صداقة للبيئة، ليس لدينا حلاً سوى التكيف والتأقلم مع الآثار السلبية للتغيرات المناخية.
فيما يتعلق بالسواحل، فقد ركز الدكتور طنطاوي على بعض الإجراءات الهندسية التي يمكن اتخاذها، مثل بناء السدود والحواجز وكاسرات الأمواج، وتدعيم الشواطئ. ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه الإجراءات مكلفة بالنسبة لاقتصاديات الدول النامية، التي عادةً ما تكون هشة وغير قادرة على تحمل تكاليف مثل هذه الأعباء.
كما أشار إلى الحلول التي تعتمد على الطبيعة (Nature Based Solutions)، حيث يمكن استخدام مواد طبيعية متاحة في البيئة لمقاومة ارتفاع مستوى سطح البحر. على سبيل المثال؛ يمكن البدء بزراعة غابات المنغروف، وهي نباتات تنمو في المياه المالحة وتعمل على تثبيت التربة ومنع تدهورها بفعل الأمواج. تلك النباتات تحتوي أيضًا على فوائد عديدة، حيث تقوم بتحلية مياه البحر وتعتبر مصدرًا لأعلاف الحيوانات.
وتحدث عن أفكار أخرى تشمل استخدام سدود طبيعية أو تلال مصنوعة من المواد المحيطة، مثل الخشب والبوص وسعف النخيل، وإنشاء مصايد للرمال لجمع الرمال؛ التي تعمل على صد الأمواج ومقاومة ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يساعد في حماية السواحل. يمكن أيضًا استخدام تقنيات جمع المياه المطرية خلال فترات الفيضانات والاستفادة من هذه المياه في أغراض الزراعة والرعي، واستخدامها كمصدر للمياه الشروب أو لتخزينها.
التعاون الإقليمي والدولي
ألقى الدكتور طنطاوي الضوء على واقع التعاون الإقليمي والدولي في هذا السياق، قائلاً: “حتى الآن، من وجهة نظري، لا يوجد تعاون دولي فعّال ولا هناك ارادة سياسية قوية لدى الدول المتسببة في هذه المشكلة. وهناك تعنتًا ومعوقات في مسار التفاوض. الدول الصناعية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن تراكم الغازات في الغلاف الجوي وحدوث الظروف المناخية الجامحة، التي تؤثر بالضرورة على كافة الدول.”
وأورد أن: “هناك صراع سياسي اقتصادي يتصاعد بين الدول الصناعية ومجموعة من الدول النامية الصاعدة، التي تتوقع تحقيق اقتصاديات مشابهة للدول الصناعية. هذا الصراع يضر بشعوب الدول، وتكون الأضرار أكبر بالنسبة للدول الجزرية والدول الأقل نموًا والدول الفقيرة التي لا تستطيع تحمل عبء آثار هذا التغير.. وبالتالي، لا يوجد تعاون فعّال ولا جاد في مسار العمل المناخي حتى الآن. نرى العديد من دورات المؤتمرات حول التغيرات المناخية التي اتخذت العديد من القرارات لم تنفذ على أرض الواقع حتى الآن. ونتج عن ذلك زيادة في تركيزات الغازات الدافئة وفقًا للقياسات والملاحظات التي تُجرى بواسطة منظمات دولية تعمل في هذا المجال. هذا يؤكد أن العالم يتجه في الاتجاه الخاطئ فيما يتعلق بمعالجة مسألة تغير المناخ.”